
في داخلي شيطانٌ لا يموت، يفرضُ في داخلي جبروت، إن لم أتركهُ يتنفس منعني عن الحياةِ، كبّلني بأمتنِ القيود. فاسقٌ لا يكترثُ بتقاليدِ أرضٍ ولا فكرٍ لا تُطوقهُ حدود. يستلذُ في هتكِ الأستار، لا يرضى إلّا أن يُروضَ كلَ موجود.
..
وارثُ الأرضِ وخليفتُها أنا، أحملُ بيميني صولجان إمرَتِها، أُزلزلُها وأُسكِنُها، أدفعُها وأعودُ بها، من مثلي؟ لا مثلي أحدٌ، أنا أصنعُ سيرتها.
..
في جُلِ مناماتي أحلمُ بأني أقود فِرقًا موسيقيةً والبشرُ هُم آلاتي، حتى زارتني في إحدى أحلامي، نَظَرَت بعينيها إلى روحي، عرتني تمامًا، أبصَرَت جوهري، حاولتُ فرض هيمنتي عليها بأن أنظمَ جسدها الوتريَ مقطوعةً أعزفها بأناملي ، لكن أعصابها الهابطة الموزونة من سموها حتى أدناها رفضَت أن تُتَرجِم لحنها أناملي.
..
أجوب في رحاب واقعي بحثًا عنها. أهيمُ في سلطاني عاليًا بعينيَّ نحو السماءِ مهتديًا بنجمٍ دُرّي، وإذ بي ألمحُ حركةً فيه! وأخذتُ أتأملُ ما فيه..
هبطَ منهُ إليَّ كائنٌ مُجنحٌ بجناحيّنِ عِظام، سامَرني وملأ كأسي بنبيذٍ ليس من كروم الأرض. أخذَ يقُصُ عليَّ حَكايا لكائناتٍ غير أرضية، يُصدقُ عقلي بعضها ويرفضُ الأخر
يمتدُ الحديثُ بيننا حتى ناولني بأحدِ جناحيّه سيجارةً محشيةً بنبتةٍ تُشبهُ الماريجوانا، كان قد قطفها على قولِه من كهفٍ مُقدس في كوكب الزُهرة، وسطَ مباركة أفروديت الدُرّة. استنشقتها رِئتايَّ حُبًا وزفرتها رغبة.
..
غادرني الكائن المُجنح؛ أكملتُ طريقي مخمورًا منتشيًا، أبحثُ عنها ليتني أجدُها.. ولا أجدُها!
قررتُ أن أنهيَّ بحثي في زماني. أمرتُ الأرض أن تعكِسَ دورَتها، وتعودُ إلى بدايتها، علّني ألقاها في زمانٍ غيرِ زماني.
عصتني الأرض وتوقفت في غير البداية، وجدتني بحملةِ عرشي في أرضِ مصر الكِنانة، أمام نادي الترسانة سنة : ١٩٧٦ ميلادية، تحديدًا في اليوم الخامس والعشرين من الشهر الرابع.
هبطتُ بشموخي من على عرشي، ولجتُ إلى المسرح متبخترًا بعظمتي، وسطَ تصفيق الحضور وقفتُ أمام مقعدي ملوحًا بيدي مشيرًا برأسي رضًا وامتنان.
خفتت الأصوات، قدمني مقدم الحفل باسم : حاكم الحب في المستقبل. رحب بحضوري نيابةً عن رئيس الجمهورية وشعبها العظيم، وجلست.
ما أن استوعبني الكرسي حتى شاهدت الفرقةَ الماسيةَ تتجلى أمامي، والعندليبُ يغردُ فقرةً من تغريدة البجعةِ يُحطمُ بها أمالي :
“وسترجعُ يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان، وستعرفُ بعدَ رحيلِ العمر بأنك كنتَ تطاردُ خيطَ دُخان
فحبيبةُ قلبكَ ليسَ لها أرضٌ أو وطنٌ أو عنوان، ما أصعبَ أن تهوى امرأةً يا ولدي ليس لها عنوان”.
قاومتُ قولهُ رافضًا ما يقول، بتُ من الجمهور المشاغب، أحاولُ تكذيبَ الحقيقةَ التي يصدحُ بها، أرفضها في داخلي وأمنعُها
إلّا أنهُ مسحَ على رأسي بابتسامته، ورماني من علوِ غروري إلى حاضري مهزومًا مكسورَ الوجدان.
جداً رائع ( حاكم الحب ) 👍